دردشة وقليل من السياسة

قـصّة رحلتين (إرتريــا ومصر)

بقلم :عبدالفتـّاح ود الخليفة

بورتن- المملكة المتحدة


كنت فى زيــارة لمصر الدولة الأكبر فى العــالم العربى,حتّى تعوضنــى عن زيـــارة الوطن السجين,وبمــا أنّنى أحمل جواز سفر أوروبى,جنّبنى هذا الجواز الهرولة نحو السفّـارة المصرية لطلب التـــأشيرة , التأشيرةتؤخذ من المطــار لحــاملى الجوازات الأوروبية ,  وبذالك دخول مصر يكون  أسهل من شرب المــاء... دخلتهــا آمنــا وخرجت منهــا آمنــا بالرّغم من وجود (ظجّـار دانجــاتات من غيرالصنف الارترى ) همهم فى الدنيــا الحلاوة فقط الحلاوة لا غيرهــا ..وحلاوة بالعملة الصعبة(وســامح الله الّذى سمّــاهــا صعبة) تدخلهــا على رؤوسهم عزيزا مكرّمــا والمفــارقة أكبر مع بلد الجدود, حيث ســافرت من أوروبّــا إلى إرتريــا  عــام1992 عبر الخرطوم - كسلا  إلى (قرمــايكا) وليست(إقرى مــايكــا) كمــا سمّــاهــا أحد كتّــاب التقرنية,(قرمــايكــا) الوكر الّذى كــانت تحبك فيه كلّ المؤامرات ضدّ السودان والتنظيمـــات الإرترية التى كــان وجودهــا يؤرّق أصحــاب القرار فى (الشعبية) ومنهــا كــانت تنطلق مجموعــات الإعدام والقتل المنظّم من مجموعة ال(72) بتوجيه من (أسياس أفو ورقى) و( بيطروس ودى سلمون) والشواهد كثيرة,وصلنــا قرمـايكا من كسلا فى المســاء وحينهــا طلب منّــا الشرطى الإرترى أوراق ال (يحلف)وهى أوراق تشبه شهــادات تقدير العمر(التسنين) السودانية الّتى كنّــا نستخرجهــا من المستشفيــات  لتســاعدنــا على دخول المدارس السودانية, الفرق فقط اللّون, أوراق( السمــاح بالمرور( يحلف) إلى إرتريــا كـــانت صفراء.. وشهــادات تقدير العمر( التسنين) السودانية بيضــاء مثل قلوب شعب السودان...  وشهــادة ال (يحلف) هذه كــان مكتوب عليهــا بالتقرنية صــالحة لمدّة شهر لا غير... ونحن  فهمنــا أنّ تأشيرتنــا صالحة للدخول بهــا حتّى إنتهــاء تأريخهــا, وليس المقصود إنتهــاء مدّة الإقــامة بالتأريخ المبيّن أعلاهــا, شهــادة ال (يحلف) ومعنـــاهــا ( يسمح له بالمرور) هذه كــانت مؤرّخة ب 30-سبتمبر1992 لذا وجب علينــا   عبور نقطة  الحدود الإرترية قبل 30 أكتوبر 1992 أو فى أقصــاهــا 30 أكتوبر نفسهــا لأنّ سفرنــا كــان محدّدا بالبرّ عبر السودان وصلنــا قرية (قرمــايكــا) الحدودية بين إرتريا والسودان فى يوم 30 من أكتوبر .....الشرطة الإرترية مكونة من مجموعة(الشجّار دانقــاتات) الفلاحين والشبه أميّين  بعضهم لولا وجود صورة  فى شهــادة المرور هذه  لا يعرف من أين يمسك بالرّســالة ليقرأهــا, والأدهى والأمرّ من ذالك بعض الشّهــادات تلك كــانت مكتوبة باللّغة العربية, لأنّ بعضــا من مرافقينــ كــانو إرتريين قـادمين من الكويت والسعودية ومصر...

إصطفّينــا على الحــاجز وكلّ مرة يتقدّم أحدنــا ليقدّم أوراقه ... كنّا نلاحظ أنّ معظم الأوراق مكتوبة بالتقرنية حتّى وإن كــان صــاحبهــا قــادم من دولة عربيّة... ونلاحظ أيضــا تبرّم العسكرىّ من أىّ رســالة مكتوبة باللّغة العربيّة... فيصرخ أحيــانــا( إذى ورقت من ظحيفوّو).. كــان معى أحد الأخوان  حــامى الدم  كمــا يقال باللّغة الدارجةفقــال للشرطىّ كتبهــا( محمّد على عمرو بذاته فى الخرطوم يعنى بس عشــان مــا مكتوبة بالتقرنية. مــا شــايف ختم السّفارة.... ( ويضيف بصوت خــافت  يــا خى دى عــالم شنو دى  ربّنــا لمّــانــا معــاهــا) أظنّه لا يعرف الشعبية ولم يعــايشهــا عن قرب) حينهــا كــان محمّد على عمرو سفير النّظــام فى الخرطوم... العسكرى أخذ الرّســالة للداخل إلى (القطيّة) مكتب مجموعة مراقبة الحدود حيث هنــاك شخص فى الداخل يرتدى ( العراقى والسروال والسديرى) يظهر أنّه يجيد اللّغة العربيّة فهمس له بكلمــات لم نستطع سمعهــا لبعد المســافة... عــاد بالرّسالة ليقول لصــاحبنــا (بزى ورقت أتيخــا نيركــا قدمى حجى كالآى قزى كتأتولّو أى تخئلن إخــا بطــاى) مــا معنـــاه أنّك دخلت إرتريــا وخرجت بهذه الأراق وهى صــالحة مرّة واحدة فقط.. ثارت ثــائرة الأخ  وهو يقول عشــان كده أنــا مشيت للسفير فى الخرطوم محمّد على عمرو ... إنتَ عجيبين والله فردّ الشرطّى بحزم ( فنطرطر أى تبلى كتئسّرى إيخى إنت أبزيحكيّو)  والمعنى إلزمى الهدوء وإلآ سوف تعتقلى... هكذا بالتقرنية يؤنّثون المذكّر للإمعــان فى التهديد وهى لغة خــاصة بالكمندوس والفلاّحين السزّج يطلق عليهم بالتقرنية(ظجّار دانقوا) وتعنى فيمــا تعنى (مشعر السّاقين) والقصد منهــا فلاح وأمّى وليس بإبن مدينة غير متحضّروجلّ الكمندوس كــانو من هؤلاء ... المهم فى الأمر جلّس هذا الأخ على جنب  لينظر فى أمره لاحقــا ... ثمّ جــاء دورى... ليقــال لى أنّ تأشيرتك لبلدك إنتهت صلاحيتهــا فى يوم 30 أكتوبر وهو نفس اليوم الّذى أنــا فيه فى حضرة شرطة الحدود الإرترية... مــا المشكلة لم أفهم قلت للشرطى: (أنّ الورقة تقول يسمح له بالدخول فى غضون هذه الأيــام  يعنى يسمح لى بالدخول إلى بلدى حتّى يوم الثلاثين من أكتوبر... هذا للدخول وليس له علاقة بإقــامتى فى إرتريــا لا من قريب ولا بعيد قــال الشرطىّ:  (هتفتف آيتبل ورقتكــا علتو وديقو أيو حديسكــايو تمظئ) والمعنى أن رســالتك قد إنتهت صلاحيتهــا لا تكثر من الكلام   إرجع وجدّدْهــا لا يسمح لك بالدخول وتكرّر الموقف مع من رافقنى فى الرّحلة من مكــان إقــامتنــا... قلت فى نفسى جــاءت الطّامة الكبرى الآن... ربّمـــا إكتشفو أنّنــا جبهجيّون.. حتّى وإن كنّـــا جبهجيون فمــا الّذى يضرّ حكومة الشعبية إن تركتنــا نشمّ هواء وطننا الحبيب, ونزور حوارى وأزقة صبــانــا وطفولتنــا(لم أكن أعلم حينهــا أنّ رؤوس كبيرة من الجبهة وقوات التّحرير الشعبية كــانت  قد تمّمت هنــاك)ونحن كنــا طلبة عــاديين ولم نؤذى الشعبية فى شيئ فى عهدهــا الثورى أو الحكومى... ذنبنــا الوحيد كنـّا (تيفوزو) الجبهة.. كلّ الذين أتو قبلنــا وبعدنــا سمح لهم بالدخول إلاّ نحن وقعنــا فى حيرة... مــا الخطب يــا ترى!!

كلّمــا يمرّ شرطى ننــادى (بطــاى حنســاب سمعنــا  بجـــاخا    إنتــاى إيو طقمنــا) أيهــا الرفيق أسمعنــا مرّة.. مــاهى مشكلتنــا؟

(أيتــأتون تبــاهيلكم آى تأتون إخوم توديؤو زربـا).. قيل لكم لا يسمح لكم بالدخول يعنى لا يسمح لكم بالدخول إنتهــى الحديث. أصبحنــا فى حيرة من أمرنــا هل جريمتنــا عظيمة لهذ الحد  قلت لرفيق دربى هــؤلاء لم يخلقو ليتفــاهمو..مبدأهم (حنتى قزى مس وطئت زوبــا مملاس يلّن.. زبت) قلنــاهــا خلاص مــافيش تراجع!!!

بعد إنتظــار طــال.. ونحن نتخيّل الطريق.... طريق العودة إلى كسلا وأحيـــانا نتفــائل أن يسمح لنـا بالدخول إلى أرض الحنطة(إرتريــا) وبدأنــا نتخيّل شكل الشوارع فى المدن الإرترية التى غــادرنــاهــا قبل عقدِ من زمن أو أكثر, نســائل أنفسنــا هل الكل بخير ومــا شكل الأهل والأحبــاب فى العهد الجديد عهد الحريّة والدولة المستقلّة... ولكن يعــــاود مرافقى السؤال المتكرّر على الدوام هل سوف يسمح لنــا رُأيت أهلنــا أم لأ؟ ولمــاذا يحتاج منّا لأوراق لندحل بلدنــا العزيز؟ ويقول أيضــا مرافقى.. والله أولاد الهدندوة الصّغــار طــالعين ونــازلين على كيفهم؟؟؟ وبعد أن يتجــاوزو شرطى الحدود الإرترى... يبرزو جنسيــاتهم السّـودانيّة.. ويدخلو ويخرجو من وإلى إرتريــا أكثر من مرّة فى اليوم!!! و بلا رســـائل ولا يحزنون!!! وشــاهدتهم يقول مرافقى:هؤلاء  شباب الهدندوة وهم فى رحلة العودة... عندمــا يستجوبهم شرطى الحدود السّودانية...( تعــالو يــا شــاب إنتو مــاشين وين..)...يردو بقولهم مــالك يــا زول؟ يقول الشرطىّ رايحين فين؟ يردّو الشّبــاب : أنحنا ماشين البلد إنت مــالك!! يقول لهم شرطىّ الحدود السودانى... معــاكم ورق...؟ يردّ شباب الهدندوا والله أنحن ذاتو مــا سودانيون..ويبرزو بطــاقــات الجبهة السعبية!!!!

قلت لصــاحبى الهدندوة شريحة مهمّة من مكوّنــات المجتمع الإرترى,أمّـا إرتريــا الحبيبة  هى  عزيزة وغــالية فى عيوننــا و فوائدنــا ولكن من شدّة حبّنــا   لهــا يجب أن ندخلهــا من أبوابهــا  وأبوابهــا الرّسميّة, لا بدّ من الرّسميــات والإنضبـــاط !!! أمّــا أن  يدخل إليهــا أويخرج منهــا غيرنـا  بطرق غير رسميّة فتلك مسؤولية شرطة الحدود, وهم يعلمون مــا يفعلون!! أوتلك سيـاسة والسياسة يفهمهــا السيّاسيون, وأنت تتحدّث ببراءة ويظهر أنّك غــادرت إرتريــا منذ زمن بعيد أو نشأت وترعرعت فى المهجر و أنّك غير متــابع لسير الأمور فى إرتريــا... ولكنّى أقول لك نــاصحـا  لا تثير ولا تنــاقش أشيــاء فى السيــاسة أتركنــا نتشرّف بزيــارة بلدنــا وبعد الدخول أنــا محضّر لك شرح مفصّل حول الوضع  وبمـــا أنّ وجهتك مدينة ( كرن) قد يسهــل الأمر فطب نفســا فلا تغضب ولا تحزن  يرحم الوالدين!!!!

قال صــاحبى: الشيء الذى يحيّرنى هو لمــاذا نحتــاج إلى إقــامة فى بلد المنبت والمنشأ !!! قلت أرجوك للمرّة الثانية لا حديث فى السيــاسة, وأترك الباقى عند لقــائنــا فى كرن!!!!

ولكن قلت فى نفسى: الأوراق أعطيت لنــا قبل شهر تأخرنــا فى التحرّك ثم تأخرنــا فى السودان اليوم 30 أكتوبر ونحن داخل الوطن مــا العيب ؟؟

يقول مرافقى: لماذا نحتــاج إلى إقــامة  فى بلد أقــام فيه آباؤنــا وأجدادنــا بلا ورق وبلا إقــامــات ... وينتفض ويتهوّر أكثر صــاحبى ومرافقى هذا ليقول: ولا هذا بلد الشعبيّة لم يبقى وطنــا للكل حينهــا أحسست بالخطر يجب أن أفرمل رفيق الدرب هذا وإلاّ سوف ندخل فى دوّامة لا تحمد عقـباها!!!

قلت لصاحبى: الوضع قد تغيّر البلد فيهــا الآن نظــام مسيطر ولتدخل البلد يجب أن تلتزم بقوانينه وتفى بالشروط المطلوبة للدخول حتّى وإن كــان ذالك البلد بلدك ووطنك الوحيد.. نــاهيك أن تكون حــامل جنسيتين وأراق ثبوتية مزدوجة مثلى... جواز سفر هــولاندى  وأراق السمــاح بالمرور تقول إرترى متّجه إلى بلده يجب التعــاون معه... البلد لا زالت فى طور التنظيم فلا جوازات ولا بطــاقــات حتّى الآن إلآ بطــاقــات تنظيم الشعبية... فلذالك وجب التحقّق من كلّ فرد يدخل البلد... إنهــا هيبة الدولة... إرترياأصبحت دولة يجب أن أن نستعد لإفــاء شروط الدولة....

أمّــا الحظ فأتركه على جنب؟؟؟ وحظّى أنــا مع الشعبية دائمــا ضــارب وموش وموفّق... عــام 1977 وصلت أغردات بعيد تحريرهــا لحضور مؤتمر الطلاب الرّابع.. هممْتُ بالوصول إلى كرن  ولكن حذّرنى كثيرون  ونصحونى بعدم المغــامرة وقــالو لى  من مؤتمر جبهجى مبــاشرة إلى كرن فتلك إمــّا شجــاعة وإمّــا بلاهة فقلت فلتكن بلاهة إذن!!! ولكن وبحمدالله وصل عندى الأهل وتمّت المواجهة معهم بعيدا عن المغــامرات ؟؟؟ ثم عدت بعد عدّة أشهر فى إجــازة المدارس ووجهتى أيضــا مدينة ( كرن) وصلت بلا صعوبــات إلى مدينة (حقّــات) وهــنــاك فى المدينة أوّل من وقعت عليهم عينى كــــانو( عيون الشعبية) من أقرانى وبعض من أبنــاء حيّى!!! والبعض معرفة فى أزقّة وحوارى(كرن)... ولكنّهم تحوّلو بقدرة القــادر المريد فعّــال لمــا يريد... إلى عيون لمخــابرات الجبهة الشعبية ضد إخوتهم وآبـاءهم ومعلّميهم....فترانى كلّ يوم أتّجه إلى محطّة الباص الّذى يـأتى من كرن إلى مدينة (حقّــات) أتلصّصْ أخبــار المدينة ممّن قصى ودنى, ومن كلّ من شدّ الرحــال إليهــا من أمــام مكتب المواصلات التّابع لهم وليته كــان مكتبا للمواصلات( كــان وكرا للتخــابرو لتجسّس لا يرتاده إلا الغرباء.. ولكنّى دخلتهــا عندمـا شـاهدت قوافل الجبهة تأتى أفرادا وجمــاعــات والوجهة النّهــائيّة إمّــا ( أزرقت) فى (عنسبا) مقر الوحدة الإدارية رقم (5) أو مدينة (عيلا برعد) والّتى كــان الصراع فيهــا (بين الشعبية والجبهة) على أوجّه...عرفت أنّ هنــاك إسترخــاء فى العلاقة بين التنظيمين,ومسألة المرور عبر كرن إلى كلّ بقــاع تواجد الجبهة كـــانت قد أصبحت موضة فى تلك الأيّـام,,فمرّ علىّ وأنــا فى( حقّــات) مسؤولون من جهــاز التعليم أعرفهم ومسؤولون إداريّون للوحدة الإدارية رقم(5).. وأخيرا وليس آخر قيل لى أنّ قيــادة الجبهة فى كرن للحوار.. طربت فرحــا لخبر الحوار والوحدة لدواعى وطنية وإنســانية وعــاطفية وأقلنتى آخر سييارة نقل مؤن(آنّ.ترى) تــابعة للشعبية مســاءا من حقّـات إلى أمــام السينمـا فى كرن و الّذى  كــان فيه مقر مواصلاتهم, ومنهــا ترجّلت إلى دارى ...

فإذا بالمدينة محتفلة وملعب كرة القدم (الجوكّو) مكتظّ بالمحتفيين, والفرحين بالحوار والوحدة ولملمة جروح الصراع, وفى الظلام دحلت وسط الجموع الهــائجة الفرحة الرّاقصة..... وفى كلّ ركن أجد من يعرفنى وأعرفه من الشعبيّة ( ع . كيكيـا, م. ع. محمود, م. بــاهو) وآخرون كثر لا حصر ولا عدّ.. وبدأ الرّقص على أغنية بالتقرنية ذات معنى ومغزى(إنّــا تشبّرو إنّـا أشبربرو..طحيسوّوم كدى.. متكلو أتريرو) وتعنى بإختصــار أن جندى الشعبيّة إنتصر على أعدائه وطحنهم طحْنــًا.... وفجأة قيل أنّ الفرصة الآن فى الرّقص لقيــادة جبهة التحرير الإرترية وقيــادة الجبهة الشعبية.. ورقص القوم وإبتهجو.. لم أعرف الكل ولكن شخصية توتيل  لم تخطئهــا  عينى بسبب زيــاراتى المتكرّرة ل(عليت) معسكر المكتب السياسى للجبهة, وشبّهت المنــاضل عبدالله إدريس من صوره التى مــا فتئت أشــاهدهــا فى مجلات الجبهة, وفى الكسرة أثنــاء الرّقص(درّب) كـــان كلّ واحدِ من الشعبيّة أمــام واحدِ من الجبهة, ولا أدرى هل أسياس إختار توتيل أم كــان العكس قد حصل..رأيتهم يرقصون وينــاجون بعضهم بعضــا رقصو وإبتهجو سويّا أمّـا المنــاضل( عبدالله إدريس) شفــاه الله كــان أمــــام شخصيّة لا أعرفهــا قيل لى صبــاح اليوم التّــالى أنّ رفيقه فى الرّقص كــان المنــاضل الشهيد (إبراهيم عــافة) وعلّقو نــاس كرن على سجيتهم فقيل: أثنــاء الرّقص كــانو يتبادلون التهديدات.. سوف نرى هذه المرّة من سيوصل أخيه إلى الحدود السودانية والآخر يكرّر هل تذكر(قرقّر)..أمّــا المنــاضل ملأكى تخلى.. والّذى . كــــان قد وفّق فى الأختيــار فقد إختـار رجلا فى قـــامته وطوله فقط مختلفين فى طريقة الرّقص ملأكى يريدهــا رقصة (كدّة-عرّزا) فكــان رفيقه فى حلبة الرّقص المنــاضل(ودى سلمون) بيطروس, الّذى كـان يريدهــا رقصة تقرنية(تودب) على طريقة الشعبية.....

وبعد منتصف اللّيل وصلت لدارى وكــان يعترينى نوع من الفرح وشعب كرن يرقص فرحا بقدوم وفد الجبهة.. ولكنّ حجبو عن  أنظــارهم لأسباب يعلمهــا الله وحده.... ثمّ مضت أيـام وأســابيع ونحن نجترّ الفرح فرح بالوحدة والإلتئام,وتجربة حكم الذّات... تمّ إحتجازنــا مرّة لسبب تواجدنــا فى أمــاكن حســّاسة فى مدينة كرن (على حسب رأيهم) , ثم  مرّت أيــام ثمّ أيــام وأســابيع ثمّ شهور,  لملمت نفسى, أشيــائى و حقيبتى  قــاصدا السودان...و حتّى هم لم يخيبو ظنّ شعب كرن لملمو ما تبقّى من مستلزمــات المدارس والمكــاتب الحكومية, وقضبان السّكك الحديدية المغضوب عليهــا ليهبطو هبوطــا آمنــا إلى (دجنهم) (عرين الشعبية) (السّاحل).....

واليوم هذه ثــالثة الأثــافى ولكن مرارتهــا زائدة بعض الشيئ لأنّهــا تأتى بعد الفجر الصّــادق (التحرير) فمــا رأيك أخى الثّـائر؟؟ لم ترى مــا رأيت ولم تجرّب مــا جرّبت !!! ولا زلت تثور على حكومة الشعبية فى سفــاف الأمور... يــا أخى إهدأ وإتّزن لترى الأمور على طبيعتهــا وحقيقتهــا أمّــا الثرثرة, والتهوّر وإطلاق الحديث هكذا على السّجية, يعطّل العقل ويحجب الرؤيـا ويجعلك مطيّة سهلة ليلتهمك الآخرون بسهولة, ولكن ضعنــا الآن نتــابع أمر أوراقنــا  ودخولنــا إلى إرتريا  وربّنــا يسّهل !!!!!

وبعد هذا الحديث والدرس فى التّعــامل مع الرّفــاق... صمت صــاحبى لزمن فأراحنى.. ولكنّه بدأ حديثــا آخر مع نفسه تركته وشأنه لأراقب مــا يجرى فى ( القطيّة)... ونحن نتبارى فى الخيــال والسرحــان .. ربّمــا نحرم من رأيت الأهل والأضدقــاء.. وإخوتنــا وأخواتنــا اللّذين تركنــاهم صغــار.. من مــات  ومن على قيد الحيــاة من الجيران والأقــارب... فإذا به يأتى أحد الجنود ليقطع علينا حبل الأفكــار والأحلام....بصوته الّذى يشبه صوت المدرّب  فى دورة عسكرية

(إسّخوم إزوم نــاى وطــائى.. نــاى يحلف ورقتكم لومى سلى تودأ حديسكمو تمظؤو!!!)

!!! يقول الرجل بعد كلّ هذا التأخير  أن الورقة التّى أعطيت لنــا إنتهت مدّة صلاحيتهــا ولذالك يلزمكم تحديثهــا من مصدرهــا!!!! يــا للطّــامة الكبرى.. نحن أتينـــا من مســــافة قطعنــاهــا جزءا بالطــائرة وجزء بالباص(السفينة) من الخرطوم إلى كسلا وجزء بالبرينســات(كسلا قرمــايكــا) هل يعلم رفيقنــا ذالك.. الظّــاهر أنه لا يعلم أين تقع هولاندا..ولا مصر ولا السّعوديّة. المهم أنّه ملتزمُ جدّا ويجب التنفيذ بالحذافير... منعنــا دخول إرتريــا لأن تأشيرتنــا للدخول سقطت صلاحيتهــا لأنّنــا وصلنــا نقطة العبور يوم إنتهــاء صلاحية الدّخول.... ولكن  لطف الله... بعد حوار طويل وتعنّت رجل الأمن.. تدخّل أحد كبارهم ليسمح لنــا بالدخول وإنتهت الأزمة ودخلنــا وأقلّنــا الباص متّجهــا إلى مدينة تسنى عبرقرية( ألبو) المشهورة.

عزيزى القــارى هذه قصــّة رحلتى الأولى... حتـّى نلتقى فى الرحلة الثــانية أتركك فى حفظ الله ورعــايته

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.