مدخل:
ثقافة الاغتيالات السياسية هي التي ورثت في السياسة الارترية منذ ان تم اغتيال ابو الشهداء عبدالقادر كبيري نهارا جهارا في شوارع اسمرة وهو يستعد للتوجه نحو الامم المتحدة لاسماع صوت ارتريا للعالم من اجل الاستقلال، فكل اختلاف في الرأي او الفكر يعالج بالاغتيال وردود الافعال المضادة مما يعني الاستمرار في هذه السياسة ،وأن الذي تم ترسيخه من قبل الحركات الارترية السابقة هي ثقافة الاغتيالات والمؤامرات والتصفيات الجسدية عند الاختلاف في الاراء والافكار والتي ولدت ايضا ردود الافعال التي نعاني منها الى يومنا هذا.
وفي وضعنا الحالي تطرح تساؤلات حقيقية وجدية هل هنالك رغبة جادة وصادقة من قبل كافة القبائل السياسية والمدنية في الدخول لحوار وطني جدي يؤسس لارتريا ما بعد عصابة افورقي في ظل الاوضاع التي تمر بها ارتريا داخليا بصفة خاصة ومنطقة القرن الافريقي عامة؟؟؟

ان المطلوب هو  الايمان العميق بان ارتريا تسع الجميع مسلمين ومسيحيين مرتفعات ومنخفضات بكل فئاتها الاثنية والاجتماعية وتبايناتها التضاريسية والعيش بسلام، مع الاستفادة من التجارب والاخطاء التاريخية والحالية التي ارتكبها البعض ولا يزال يرتكبها النظام في تغذية الصراع بين مكونات الشعب الارتري.


الحوار الوطني:
كلمة الحوار في حد ذاتها جيدة وان الارتريين بابداء رغبتهم من اجل الحوار لهو جيد،ومدخل للوحدة الوطنية وتتاسس ارتريا على اسس سلام ووحدة شاملة لا يظلم فيها احد ولا يضطهد او يهمش فيها مسلم او مسيحي،وان الحوار الوطني به تبني الشعوب اوطانها فالفسيفساء العرقية التي تميز المجتمع الارتري جديرة بجعلها اطارا للوحدة في اطار التنوع وليست مصدرا للخلاف فالاختلافات الاثنية لذاتها ليست سببا في الصراع وانما ينتج الصراع عندما تتحول هذه الاختلافات الى اختلافات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ان تجارب العالم يجب ان يستفاد منها فتجربة جنوب افريقيا وتجربة السودان وتجربة لبنان جديرة بالتامل والدراسة، فالمجتمع الارتري يمكن ان يستفيد من النقاط الايجابية لهذه التجارب ولا يعني ان اسقاط تجربة بعينها على واقع الشعب الارتري جدير بحل اشكالياتنا ولكن اخذ ما يلائمنا من هذه التجارب.
وبناءا على الوضع الحالي فهل يمكن القول بان هذا الحوار هو حوار بين التنظيمات السياسية؟ ام بين سياسي مكونات المجتمع الارتري وناشطيه؟ ام بين نخب المجتمع الارتري؟ وهل يجري الحوار في ظل مؤثرات محلية واقليمية ودولية؟ ام ان حضور المؤتمر سوف يكون همهم اخراج الشعب الارتري من الوحل الذي أٌدخل فيه؟وهل يمكن القول بانه حوار بين المسلمين والمسيحيين؟او بين المرتفعات والمنخفضات؟ ام انه حوار بين المسيطرين والمهمشين؟ ام بين السياسيين فقط؟ ام بين كافة فئات الشعب الارتري؟ وهل هنالك رغبة جادة في انجاح المؤتمر والاتفاق على اسس وحدة الشعب الارتري؟ وفي ظل هذه الاوضاع الا يحتاج المسلمين لحوار فيما بينهم وكذلك الا يحتاج النصارى لحوار فيما بينهم؟.
غالبا ما يتم هذا الحوار في جو من عدم الثقة والاطمئنان، ولكن انزال كل الملفات على ارض الواقع وطرح كل الاختلافات والخلافات على الطاولة وحدوث المكاشقة الحقيقية يولد الثقة والاطمئنان، فالكل يود ان يكسب المسلمين والمسيحيين مرتفعات ومنخفضات، واعتقد ان هذه المكاسب لن تؤثر على مصالح الاخرين ان تمت مراعاة المصالح للمجموعات الاخرى ولكن الرغبة في الهيمنة والسيطرة والحفاظ على الاوضاع والمصطلحات التي فرضها افورقي بسياساته الرعناء تولد الرفض خاصة من قبل المسلمين وبالتالي استمرار عدم الثقة والاطمئنان بين مكونات المجتمع الارتري،وكذلك الاصرار بان المسيحيين جميعهم في صف المتهالك افورقي وان الحرب هي دينية لهو من اسباب اطالة امد الصراع واستمرار حالة التنافر وعدم الاطمئنان من جانب المسيحيين.
ان حقيقة التنظيمات السياسية الارترية تمثل واجهات لمجموعات اثنية ومواقع جهوية وان تدثرت احيانا بعباءة الوطنية او تدثرت بعباءة الدين او الشعارات العامة وهذه التنظيمات حتما لن تفرط في مصالحها التي تعتقدها كمجموعات اثنية او جهوية او دينية، ويمكن النظر لذلك بصورة ايجابية في اطار تقاسم المصالح المشتركة ان كبحنا الرغبة في السيطرة والهيمنة والتعدي على حقوق الاخرين واقصائهم.
ان هذا الحوار ايضا يتم بين غالبية سياسي المجتمع الارتري وليس بين كل سياسييه فاذا استثنينا عصابة افورقي التي لا تعرف قيمة للحوار ولا يهمها الشعب الارتري واستمراريته في العيش بسلام توجد ضرورة ملحة لاشراك كل من يقول لا لسياسة افورقي وكل متضرر من هذا النظام،حتى الذين ربما تختلف الاراء حول ميولهم ودرجة معارضتهم لافورقي لان دعوة مثل هذه المجموعات والاستماع الى ارائها وافكارها ومناقشتها ايضا بالفكر والحقائق اجدى من عزلها لانه من غير المنطقي ان نتحدث عن حوار وطني يؤسس لارتريا غدا وتغييب المجموعات المتضررة من افورقي او التي ترفض سياساته، وما هي المحاذير التي تمنع مشاركتهم ما دام ان حوار شفاف يعرف مواطن الخلل ويسعى لعلاجها، بدلا من حوار الطرشان وحوار الهروب من مواجهة الحقائق المرة التي يكرس لها افورقي رغم انف الشعب الارتري.
ان الحوار غالبا ما يتم بين النخب التي تمثل مكونات المجتمع الارتري قاطبة وليس ان ياتي كل الشعب الارتري بتعداده المليوني ولكن هل حقا كل هذه النخب تمثل المجتمع الارتري؟ هنا هو التحدي ان كانت نتائج هذا المؤتمر حافظت على مصالح الجميع ولم تتجاوزه.
ان من اهم تحديات الحوار هو الاتفاق والتراضي الحقيقي على ان الاسلام والمسيحية والعربية والتيجرنجة من اهم مكونات المجتمع الارتري وهنا ليس من اجل الشعار والمتاجرة السياسية وكسب الاستعطاف كما يفعل افورقي وغيره، فافورقي يقول بالاسلام والمسيحية والتجرنجة والعربية ولكن في ارض الواقع الحال مقلوبا راسا على عقب مما يهدد النسيج الاجتماعي للشعب الارتري.
ان القول بان المجتمع الدولي قد طلق افورقي وانه غير مرغوب فيه ،هي حقيقة واتمنى ان يستفاد من هذا العامل بكثافة من قبل كافة قوى المعارضة ولكن الاكثر حقيقة، ان المجتمع الدولي لا يعلم بما هية المعارضة؟ ولا ما هية افكارها ورؤاها بخصوص الدولة الارترية؟ بمعنى ان المعارضة مبهمة وضعيفة،وان المجتمع الدولي لن يراهن على اشياء مبهمة ومعارضة ضعيفة. باعتبار ان تجربة الصومال كافية وان منطقة القرن الافريقي حساسة لا تحتمل عدم الاستقرار الذي سوف يؤثر على دول عديدة وعلى الامن الدولي ايضا، وان عامل الزمن يلعب دورا كبيرا فهل ذات صباح يحدث التغيير والبعض يغرد خارج السرب؟،من اهم النقاط هنا الان، هل يعلم المجتمع الدولي بمؤتمر الحوار الوطني وهل يتابع مجرىات احداثه، ام ان الجميع يسعى للكسب التنظيمي الفردي بدلا من الجماعي وبذلك تتقزم القضية الارترية في اطار تنظيمات متعددة؟ .
ان من الانسب ان تنشغل جميع القبائل السياسية والمدنية ببناء ارتريا تسع الجميع حقيقة وليس على الاوراق فالجميع موجود على الارض الارترية وان تجاوز مجموعة دون اخرى لن يحل الاشكالية الوطنية وان عقدا اجتماعيا جديدا نتجاوز به ما تكرس له عصابة افورقي هو المطلوب ولكن الانشغال بالمؤثرات الاقليمية والرهان على الواقع الدولي لن يحل المشكلة الارترية وانما الارادة الحقيقية للجميع هي التي سوف توصلنا الى ارتريا تسع الجميع.....

ادريس صالح