نطق يماني قبر مسقل لوكالة رويترز بان لجوء الارتريين دافعه العامل الاقتصادي وانه لا توجد اسباب سياسية وان الهاربين من اداء الخدمة نسبة بسيطة وان 95% من الارتريين يؤدون الخدمة عن طواعية ورغبة وطيب خاطر، غريب حقا مدير مكتب افورقي الذي يدعي ذلك؛ او بلغ به الامر ان يطلي على الاعلام حقيقة الواقع؟لماذا يهرب الصحفيين والسياسيين واعضاء الفرق الفنية التي تجد السانحة المناسبة عند ارسالها الى الخارج لكي تدر العائد لعصابة افورقي؟لماذا يغامر الشباب بارواحهم في الصحراء الكبرى والبحر الابيض المتوسط؟ هل الفقر يدفع الفرد لفعل ذلك؟ ام ان الوضع السياسي السيئ والردئ وحالة اللامستقبل هو الذي يدفع لذلك؟ واذا افترضنا جدلا ان السبب الاقتصادي هو الذي يدفع للخروج،فمن هو الذي اوصل الوضع الاقتصادي لهذه الدرجة اليس هو افورقي وعصابته المجرمة؟ وايضا ما الذي يدفع الاطفال للخروج واللجوء هل هم ايضا ليحسنو وضعهم الاقتصادي؟!!.

 

ان التصريحات الاعلامية المرتجلة مثل سيده افورقي الذي انكر ايضا وجود لاجئين,هي التي تناسب موقفه والا ان قال الواقع كما هو فالمعتقل مصيره،ولكن هل الفقر حقا يدفع الى ذلك؟ ان الكثيرين قد ماتو عطشى في الصحراء ودفنتهم الرمال،وكثيرون ايضا ماتو غرقا في البحر المتوسط،وماتو ايضا بسبب القهر النفسي الذي وصلو اليه في ليبيا،حينما تاهت بهم ظروف الحياة وجار عليهم الزمان الذي يتمتع فيه افورقي وعصابته الاجرامية في ارتريا، او تموت اسود ارتريا عطشى وغرقا ولحم ارتريا يترك للكلاب.

ان السعي من اجل تحسين الوضع الاقتصادي هو طبيعي ولكن بوسائل طبيعية وليست وسائل تعبر عن الحالة النفسية والذهنية التي يعيشون فيها والتي تعكس مدى ضيق الانفس والاستياء البالغ والاحباط الذي سببته لهم عصابة افورقي وجعلت من ارتريا سجنا كبيرا لا يجوز الخروج منه لاحد وان قبض عليه متلبسا كتب ضمن قائمة الاحياء الاموات وربما احيانا قائمة الاموات مباشرة وامام الملآ ينفذ فيه حكم الاعدام حتى يرهب الاخرين ولا يفكرون في الخروج ولكن رغم هذا فالشباب الاتري جميعه خارج ان وجد سانحة لذلك.

قبل عدة اعوام بث تلفزيون افورقي فيلما تصويريا عن معاناة الشباب الارتريين وموتهم في الصحراء وغرقهم في البحر الابيض المتوسط متحدثا عن تلك المخاطر حتى ليرهب الشباب الاخرين بعدم القيام بهذه المغامرات وعدم التفكير فيها من الاساس وهذا يعكس جفاف الفكر الموضوعي والايجابي لعصابة افورقي في حل هذه الاشكالية الوطنية التي استفحلت والملاحظ ان نسبة هروب الشباب زادت وتوسعت اكثر وتم فتح قنوات جديدة وهي طريق الصحراء عبر مصر الى اسرائيل رغم الرصاص الذي ربما يوجه للصدور العارية.

وبدلا من ان يركز مسقل على محاربة الفقر يركز في محاربة ابنائه وتشريد وتشتيت شعبه في العالم وهو ما لم تشهده ارتريا خلال عهود الاستعمار السابقة، ومن عجائب هذا الزمان وغرائبه اننا لم نشاهد دولة في العالم ترفض استقبال لاجئيها الا افورقي وعصابته التي تضع المتاريس والحواجز حول عودتهم.

والغريب انه تحدث عن ان هنالك عودة طوعية الى ارتريا!! متى تمت هذه العودة؟ الذين عادو في العام 2001-2002 يعضون على اصابعهم بالندم للجحيم الذي وجدوه في ارتريا في قرست وتسني وغيرها من معسكرات الفصل واعادة الصياغة ولم يعادو لمناطقهم الاصلية مثل مسيام ودمبلاس وعدي قنطب وميلاد مانتا وبارنتو وقلوج وغيرها، وبدأت الامم المتحدة عمل الفحص القانوني للاجئين الارتريين(الاسكرين) وذلك لقبولهم بالعيش في السودان او توطينهم في احدى الدول الغربية وقد تم ذلك للغالبية العظمى التي نجحت في توضيح المبررات التي تمنعها من دخول وطنها رغم الاستقلال المجيد!!

وهنا تحضرني ذكرى لن استطيع نسيانها وهي اننا كنا في شراء كسرة(انجيرا)من احدى الارتريات بالخرطوم وخلال النقاش معها حول عودتها للوطن وانه لا بد لها ان تقوم بذلك فردت بانفعال في كيفية ان اذهب بعد هذا العمر وهذا الشقاء في تربية ابنائي وبناتي واسلمهم ناضجات ليخدمو افورقي ماذا فعلو لي؟ان رد هذه الام الطبيعي وردود غالبية الامهات الارتريات تتسم بنوع من السخط المكتوم الذي لا حول له ولا قوة سوى زفرات الحري التي تخرج منهن والتي تعكس الوضع السيئ الذي اوصلته لهم عصابة افورقي.

ان الانسان في سلم اولوياته هي الحياة والعيش من اجل البقاء وتحسين الوضع الاقتصادي وغيره ياتي بعد هذه الأولوية القصوى لانه ان لم يكن الانسان موجودا فكيف سيحسن وضعه ولمن يحسن ما دام انه ربما سوف يكون خارج الحياة الدنيا بسبب التيه في الصحراء او في بطون اسماك البحر المتوسط،والوضع الاقتصادي في ارتريا دمرته الشعبية التي لم تترك شيئا للشعب الارتري والا وتدخلت فيه،وبذلك فان الوضع الاقتصادي مرتبط بالوضع السياسي الذي بلغ مرحلة اللامستقبل والمصير المجهول.

 

ادريس صالح