قبل عدة سنوات، جرى نقاش ساخن، ومقتضب، بين الرئيس الارترى الغاضب من السؤال,وصاحبه الجرئ الذى  فضل المغامرة مضحيا بمصالحه الخاصة, وبحريته, وربما بحياته, بدل السكوت على مايجرى من انتهاكات صارخة لحقوق الناس فى بلادنا. وقد تمحور النقاش الساخن والخطير, حقيقة, حول قضية جوهرية واحدة ,وهى تمس مباشرة مصير وطننا الجريح بحراب الاستبداد, وتعنى بقمع حريات شعبنا المنتهكة من اجهزة القمع الدكتاتورى، وتفضح مصادرة حقوق مواطنينا الاساسية, وفى المقدمة منها: حق الحياة, وحق التعبير, وحق الاعتقاد وممارسته,وحق العيش الكريم, وحق السلامة الشخضية, ..., وممارسة كل تلك الحقوق تحت مظلة قانون عادل يحمى الجميع من التغول والجور السائد ...، وقد جرت المواجهة فى اجتماع عام ,وعاصف, وعلى نحو مثير لليأس والاشمئزاز ..؟

تقدم المواطن السائل بجراة يحسد عليها وبدأ حديثه بأدب جم ملفت للانتباه, وبعد ان سمح له بالكلام,رحب بفخامة الرئيس ,ووجه اليه سؤاله: "يا فخامة الرئيس سؤالى بسيط ومباشر, ولكنه يختلف تماما عما استمعت اليه من الاسئلة السابقة.., وسؤالى تحديدا يتعلق بمصير سجناء الرأ ى والضمير فى بلادنا :فما مصيرهم..؟ واين هم..؟ وما هى التهم المنسوبة اليهم ..؟ وعلى أى اساس قانونى وطنى مشروع وجهت اليهم التهم ان وجدت..؟ ولماذا لا يسمح لذويهم بالزيارة العائلية للاطلاع على احوالهم, ومعرفة ظروفهم الصحية, والاطمئنان عليهم..؟ وألا يعنى منع الزيارة عنهم عقابا جماعيا لاسرهم ..؟ وقد طال بهم زمن الاعتقال والحبس المجهول.., فمتى يمكن ان يطلق سراحهم, ويعودوا الى اهلهم احرارا..؟


بدت على الرئيس علامات الغضب, والانزعاج, وبذل جهدا ملحوظا لضبط نفسه الغاضبه, واجاب على السؤال بشئ من الارتباك والعجلة: "نفيناهم الى معتقل جوانتانامو..! "ثم سكت عن الكلام مكتفيا بأجابته  المقتضبه..!

ظل المواطن الشجاع واقفا بكل هدوء ورزانة, ولم تنل اجابة الرئيس الزاجرة من شجاعته,ومن غيرته الوطنية, ولم تهز فيه شعرة اباء وتحدى.., وواصل سؤال تحديه قائلا:" معقتل جوانتانامو- يافخامة الرئيس – موقعه معروف فى الخريطة,وتحديدا يقع فى جزيزة كوبية مؤجرة لامريكا بعقد قانونى موثق.., ونزلاءه من المعتقلين قوائم اسمائهم,وهوياتهم معروفة للناس جميعا.., ومنشورة فى وسائل الاعلام المختلفة.., وذويهم يعرفون بوجودهم هناك.., ولديهم محامون يزورونهم دوريا ويدافعون عنهم.., وهيئات حقوق الانسان تتفقد أوضاعهم الانسانية وهم فى عنابر سجونهم المكشوفة,وامريكا الدولة التى تعتقلهم تعترف بوجودهم لديها امام العالم بأسره, وتسمح بين الحين والاخر لوسائل الاعلام بزيارتهم والاطلاع على واحوالهم,والتقاط بعض الصور الحية لهم, ونشرها الى الرأى العام, ومن التقارير الاعلامية علمنا انهم يمارسون بعض التمارين الرياضية؛ وهى تعد ترفا ورفاهية زائدة فى معتقل تمتهن فيه كرامة الانسان بوقاحة شديدة , وتلطخ فيه سمعة العدالة الامريكية.., وتسمح ايضا بتبادل الرسائل بينهم وبين عائلاتهم..,وتهمهم محددة؛وهى تهمة ممارسة الارهاب ضد امريكا وحلفائها.., وكل هذه الحقوق الاولية مكفولة لمعتقلى "جوانتانامو" السيئ السمعة..! وفى هذا المستوى الردئ من السوء اذا ما قارنا سوءه بمساوئ معتقلات بلادنا الموحشة يصبح "جوانتانامو"جنة الله فى الارض..!

أما سجناؤنا – يا فخامة الرئيس – يقبعون فى سجون سرية، وبدون غطاء قانونى يذكر، فلا أحد يعرف مكان ارتهانهم المجهول.., ولا توجد تهم قانونية معتبرة موجهة ضدهم استنادا الى قانون مسنون مسبقا..وبناء عليه لم يمثلوا امام محكمة طبيعية حتى الان.., فاذن,اين هم..؟ ولماذا اعتقلوا اصلآ طالما لا توجد قوانين من أى نوع فى بلادنا؛كالقوانين الاستثنائية أو الدائمة المنبثقة من دستور معد ومقر بالطرق الديمقراطية المتبعة حسب الاصول المرعية،وبالتالى لا توجد محاكم طبيعية يفصل قضائها حسب القانون المشروع سلفأ فى القضايا الماثلة أمامهم .. ، لان بلادنا تقاد فى غياب دستور يحدد سلطات أجهزة حكومتها القائمة ..! . وحتى الدستور الذى صيغ على مقياس الحالة السياسية ... ، والثقافية القائمة قد وضع أدراج النسيان ..!

اشتط بالرئيس الغضب، وفار دمه , فاصفر، واحمر ..، ثم اسود وجهه، وكاد يفلت عيار أعصابه المتوتره ، وبنبرة غضب شديد  قذف سائله بقنبلة رده الوحيد : "نفيناهم الى معتقل جوانتانامو .. " . وكانت الرسالة واضحة وهى: كفى الكلام المحظور !!

ربما شعر السائل الشجاع بخيبة أمل ، وربما تسرب الى روحه الوطنية  المتقدة   تيار محبط ليس بسبب غضب الرئيس من اسئلته ولكن بسبب السلبية المخزية من جمهور الناس الحاضرين ، فلم يتجرأ واحد من الرجال أو النساء لمناصرته بقول كلمة حق على ما دار من كلام المواجهة الساخنة بينه وبين الرئيس الغاضب حول حقوق الناس الممتهنة  فى السجون السرية .. وبفتور واضح ختم حديثه بقوله: "هذه ليست اجابة مقنعة يافخامة الرئيس .." وجلس بهدوء مثير للقلق من هول السكوت المعيب ..!


الساكت عن الحق شيطان أخرس ..، والشيطان ليس مخلوقأ نراه بعيوننا المجردة ، انه كائن تتجسد فية الافعال الشريره ، ومن افعاله خلق الفتن بين الناس، والسكوت عن قول الحق أمام سلطان جائر يعبث بحياتنا، ويهدر كرامتنا الأنسانية، ويذيقنا سوء العذاب، ويحيل وطننا الامن الى خرائب تنعق فيها الغربان.. ,ويجعلها مأوا  فاسدا نتمرق فيه بالمهانة ، والمذلة الفاجرة ..، فليس مقبولآ أبدا أن يتلبسنا الخوف، ويسكن قلوبنا الفزع، لنتحول الى شياطين خرساء، نتفرج ببلاهة وجبن على معركة مصيرية تدور رحاها بالكلام الفصيح أمام اعيننا، وتلقى على مسامعنا بوضوح، بين مواطن شجاع يدافع عن كرامتنا، وبين رئيس يغضب من مجرد سؤال بسيط يتعلق بمصير حرياتنا الاسياسية ،...، فالسكوت عن الحق معيب للاحرار، ومسئ للناس كافة، ويمثل خيانة فاضحة لدماء الشهداء الذين ضحوا بارواحهم فداء لحرية شعبهم ..!، والساكت عن الخق, بكل تأكيد، خير معين للمستبد ليحكم قبضته على رقابنا ..! ، فلماذا نسكت ..، ونحن نعلم أن السكوت بزيدنا مذلة، ويطيل أمد معاناتنا، ويجعلنا فى وطننا غرباء واذلاء، فكان الاجدر بنا أن نهب كالعاصفة القوية، فى وجه من يسلب حريتنا، ونصرخ عليه باعلى أصواتنا الموحدة: "اطلق سراح احرارنا من سجونك السرية ..! ". الصراخ العالي بالوعى، هو سلاحنا الوحيد الذى يحرر ارادتنا ,ويعيد الينا انسانيتنا الضائعة ..، ويجعلنا نعيش بالضمير الحى، لا أن نحيا بالسكوت المهين كالشياطين الخرساء نحصر مهمتنا التصفيق للظلم والفجور نمالئ المستبد فى غيه..!


This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
حامد عبدالله