هنالك ثقافات مركزية مسيطرة ومؤثرة وهنالك ثقافات مسيطر عليها، فالثقاقات التي تسود هي التي يكون لها القوة والامكانيات ووسائل الانتشار والتاثير على المجتمعات الاخرى بشتى السبل خاصة الوسائط الاعلامية التي لها دور كبير في بروز الثقافات ومدى تاثيرها على المتلقين،مما يؤدي الى حالة من السيطرة المعنوية على اصحاب الثقافات الطرفية.

فبالنظر الى الوضع في ارتريا نجد ان السيطرة والهيمنة اصبحت للغة واحدة وهي التيجرنجة والتي يساهم النظام بقوة في دفع هذه اللغة الى مصاف اللغات المتطورة مع محاربة اللغة العربية بشتى السبل ومن اهم تلك الوسائل تعليم لغة الام وتطوير اللهجات المحلية حتى تهتم المجموعات الاثنية بها وتنغلق على ذاتها وتتخلى عن اللغة العربية وبذلك يتم ضرب اللغة العربية بابنائها وتصاب في مقتل فهل تعي هذه المجموعات الاثنية بذلك وتتحرك في تجاه مغاير لارادة افورقي وعصابته الاجرامية؟.

ان اللغة العربية ومهما فعل افورقي وعصابته الاجرامية في محاربتها والوقوف ضدها لن يستطيع الصمود لا هو ولا احفاده لان بطبيعة اللغة العربية والتيجرنجة وبحقائق الجغرافيا والتاريخ فهو يسبح عكس التيار،ان لغة التيجرنجة بها نسبة مقدرة من اصول عربية وهي قادمة من جنوب الجزيرة العربية وهنالك لهجات عربية كلهجة بنو سليم وبني تميم وغيرها من السن العرب المتعددة سواء على مستوى القحطانيين او العدنانيين،اما حقائق الجغرافيا فان ارتريا محيطها وعمقها وتاريخها وجوارها عربي فكيف الهروب الى عالم اخر،ان التيجرنجة يمكن ان تتعامل بها في ارتريا ولكن بمجرد الخروج الى احدى دول الجوار كيف يكون لسان التخاطب والاجابة هنا هي اللغة العربية ما عدا اذا كانت الوجهة الى اثيوبيا.

الاشكالية والعقدة الاولى هنا توجد في العقل الظاهر والباطن لعصابة افورقي ومن هم على شاكلتهم وهي ان اللغة العربية هي لغة المسلمين فلذا لا بد من محاربتها وعدم التحدث بها، ولكن اود ان اوضح بعض حقائق اللغة العربية والناطقين بها ان كانو يعوا التاريخ او حقائق الواقع فالمجموعة القبطية النصرانية في مصر تتحدث باللغة العربية والدروز والموارنة في الشام ايضا،وهنالك يهود يتحدثون العربية وان اللغة العربية والعبرية والجئزية هي لغات سامية وان قبائل مملكة سبأ وحمير ومعين تتحدث بهذه اللغات وكانت هي وسيلة للتخاطب والتواصل وليس للسيطرة او الهيمنة.

وحاليا نشاهد اللغة الانجليزية هي المسيطرة على الساحة الدولية وان العرب والمسلمين ليس لديهم عقدة من ذلك ونشاهد ذلك كثيرا في كافة الدول العربية التي تعطي للشخص الذي يتحدث الانجليزية ميزة اضافية فهل كانت ردود الافعال ان الانجليزية هي لغة الكفار والنصارى ولا بد من محاربتها ولانها لغة المستعمر؟كلا بل تم فتح مؤسسات لتعليم اللغة الانجليزية،ولم تتعامل الدول والشعوب العربية بمنطق القوة بتجييش وحشد كل الامكانيات في سبيل الوقوف ضد هذه اللغة،باعتبار ان اي لغة هي وسيلة للتواصل والانسان بطبعه كائن اجتماعي يعيش في جماعات وليس في سرداب وجزيرة منعزلة كما يتخيل افورقي وعصابته الاجرامية.

الاشكالية والعقدة الثانية توجد في العقل الظاهر والباطن لبعض الاخوة المسلمين في اعتبار ان التيجرنجة هي لغة الكفار والنصارى فلذا لا بد من محاربتها وانها ترتبط بثقافة النصارى ولا بد من الوقوف ضدها متناسين ان الجبرته يتحدثون بهذه اللغة بالاضافة للغة العربية ،وايضا الجذور التاريخية واللغوية لهذه اللغة ترتبط ارتباط وثيق باللغة العربية فلم هذا الوضع المتناقض والذي يؤدي الى صراع غير مجدي في ظل وصول العالم لمفاهيم الاعتماد المتبادل والتعاون والتكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ام هو صراع الحضارات الذي نظر له المفكر الامريكي صمويل هنتجتون؟.

ان مثل هذه الاحاسيس والافكار تاسر اصحاب الثقافات الهشة والمتخوفين من ذوبان ثقافي فيفضلون الانكفاء على ذاتهم والانغلاق عليها وعدم الاخذ والعطاء والتواصل مع الثقافات الاخرى من منطق الحرص على الثقافة المحلية بدلا من تطويرها والتاثير والتاثر بالاخرين اصحاب الثقافات الضاربة في جذور اعماق التاريخ فتحتاج منا الى تطمين وتاكيد للبعض بان اللغة العربية والتيجرنجة يسيران جنبا الى جنب في الدولة الارترية الحديثة والجديدة بعد رحيل العصابة وتغيير المفاهيم الخاطئة وتصحيح المعلومات التاريخية.

ادريس صالح