بطبيعة الامور لا تكون ساكنة على حالها فالوضع في القرن الافريقي يشهد تغييرات متسارعة وارتريا ليست بعيدة عن ذلك والشاهد في هذا الوضع ان غالبية عوامل التغيير قد اكتملت في ارتريا، على مستوى النظام بلغ مرحلة متقدمة في الفردانية فكل قضايا الدولة يسيرها افورقي حتى تصريحات المسئولين وماذا يقولون وغيره فالدولة تتحرك بنفس شخص واحد والغريب في الامر ان افورقي في تلة عالية،والجميع في ادناها ينتظرون اوامر الديكتاتور.

فمن ابرز دواعي التغيير التصدع الداخلي ووجود فراغ كبير في دولاب الشعبية الذي يجب ان تستفيد منه قوى التغيير وتوظفه لمصلحتها ونتج هذا الفراغ بسبب التفرد الكامل لافورقي وفي كل المستويات فالتحدي هنا هل تستطيع المعارضة توظيفه وباي درجة ام تظل هذه حبيسة الافكار النظرية والامال والاماني المعلقة على جدار الزمن الصعب.

من اهم التحديات الماثلة وجود العوامل وتضافرها لسقوط الانظمة فالجبهة الشعبية وصلت عهد الشيخوخة وولى ريعان شبابها لكنها لا زالت تذيق الشعب الارتري الامرين واذلال وقهر وتشريد لم يشهده من قبل،والتحدي هنا مرة اخرى كيف توظف المعارضة هذه الحيثيات في سبيل مقارعة النظام واسقاطه ام انها تظل حبيسة الاستنكار والبيانات المكتوبة دون عمل جدي يزيح هذا الكابوس الجاثم على صدر شعبنا الابي المرابط الذي ناضل ولا يزال منذ عقود.

ان الوقوف في وجه المحتل الاجنبي وجرائمه تستطيع ان تحرك به شعبك في سبيل نيل الحرية والاستقلال والانعتاق وهذا ما كان في العقود السابقة، اما الوضع الان يختلف من حيثية ان النظام هو ارتري،وبالرغم من ان الافعال الشنيعة من قتل وتشريد وقهر وغيرها زادت ولا توجد مقارنة بينها وعهد الاستعمار فالمحك الحقيقي هو كيفية تحويل هذه الافعال الى وقود ومحرك في تعبئة واستنهاض الشعب لان الكيل قد طفح وفاض.

العديد من تجارب الدول حول العالم نشاهد التغيير ياتي من الداخل في اغلب الاحوال ولكنه يكون مرتبطا بالخارج الى حد ما ايضا، اما الوضع في ارتريا فالنظام يتبع اساليب المخابرات الالمانية(الجستابو) والسوفيتية(الكي جي بي) وذلك بجعل الشعب كله عيونا على بعضه ويزرع الشك وعدم الثقة بين ابنائه حتى يسود هو ويواصل في طغيانه،كيف يمكن ان تساهم المعارضة في حلحلة هذا الوضع وزرع الثقة بين ابناء الشعب الواحد والذي مزقته الصراعات الاثنية والطائفية واوهنت قوته حتى صار كانه لا يستطيع فعل شيئ في ظل وضع غير طبيعي.

من الطبيعي حدوث التغيير لكن المحك هو كيف نشرك الشعب الارتري بجميع طوائفه واثنياته في هذا التغيير المنشود وبث رسائل الاطمئنان وزرع الثقة المفقودة بين كياناته الاجتماعية والتي ساهم افورقي وغيره في تمزيقها وذلك باللعب على اوتار العاطفة الدينية والقبلية والعشائرية والمناطقية،حتى نستطيع غدا بناء ارتريا الدولة الرائدة والمتماسكة صانعة السلام والمساهمة في استقرار الاقليم بدلا عن الوضع الذي يقوم به النظام في منطقة القرن الافريقي.

الديكتاتوريات حول العالم تمر بمراحل العنفوان الثوري خاصة تلك التي تحمل الايدولوجيات وتسعى الى تطبيقها على ارض الواقع،وبالنظر الى مشروع الشعبية كان واضحا منذ البداية في النهج الاقصائي والسيطرة والهيمنة على مقدرات الشعب الارتري قاطبة،وهذه المشاريع تعتمد على وقود تستخدمها الشعبية في تنفيذ مخططاتها،ولكن حتى الايدلوجيات تصل مرحلة التيهان الايدلوجي عندما تكون النتائج مخيبة للامال على ارض الواقع وتكون تدميرية، او عندما تفقد البوصلة السياسية.

ان قرارت مجلس الامن الاخيرة وبالرغم من صدورها بفعل العوامل الخارجية فالواقع السياسي يتطلب العمل في سبيل توظيف هذه القرارت لصالح العمل المعارض والمناوئ للنظام وذلك بالوقوف في مرحلة التطبيق وتبصير المجتمع الدولي بالوضع الداخلي وان ما يحدث به اسوأ من ما هو بالخارج.اما كيفية ذلك فيتم عن طريق مؤسسات وشخصيات فاعلة ولها علاقات وثيقة بصناع القرار الدولي والجهات النافذة وهذا يتاتى بقيادة حملة نشطة في العالم خاصة الدول الغربية،وذلك باستهداف مقرات الامم المتحدة والسفارت الامريكية والبريطانية وغيرها وتقديم المذكرات ومتابعتها.

ربما هذا يكون يسيرا من حراك سياسي مطلوب من قوى المعارضة وكل منظمات المجتمع المدني والشخصيات التي تناهض النظام وافعاله حتى يتم التضييق على العصابة المتنفذة في اسمرة.فكل فعل سياسي يحتاج الى ارادة سياسية فهل تملك كل هذه المكونات الارادة العملية للقيام بدور جدي في مقارعة النظام؟

ادريس صالح